إلحاد بوجه عرقيّ (الشعوبيّون الجدد)
مع فشلِ الهجوم العلماني و الملــحد على المستوى المعرفي, و فشله في إشاعة الإلحاد على نطاقٍ واسع عبر الخطاب الصِّدامي المباشر, ينحاز العلمانيون والملاحدة عن المواجهة المعرفية المباشرة بين المنظومتين الدينية والعلمانية لينتقلوا بثقلهم إلى المجال العرقيّ وإلى حيّز العصبيّات القوميّة والعرقيّة
فالهجوم المعرفي المهزومُ قد فشلَ في تجاوز الدفاعات المعرفية والنفسية للجماهير, والمقصود بالدفاعات النفسية هو نفور العوام من الخطاب العلماني والإلحادي العدائيّ الصريح, فكان لزامًا على حركيي الإلحاد اللجوء إلى تمويه تكتيكي يمكن عبره تثبيت المشروع المناهض للإسلام بأساليب مموّهة تلقى قبولا لدى فئات واسعة من الجمهور
فـتحوّل الهجوم من رفض للهوية الإسلامية تحت عناوين معرفية (القول ببشرية الإسلام), إلى رفض مموّه تحت عناوين عرقية, كأن يُعْلَنَ بأسلوب خبيث مموّه: "العرب غزاة, ولا بد من رفض العروبة بكل منظومتها". والإسلام لا ينفصل عن العروبة, وهو المقصود -بأسلوب تلفيقي- بالمنظومة الثقافية العربية التي وجب دفعها بالإجمال
او حصر مواضيعهم وتوجيه خطابهم داخل تلك الكيانات والعرقيات اي قول نحن عرب وقضية فلسطين لا تخصنا او نحن امازيغ اونحن اكراد او فراعنة فحاولوا تجريد الهويه وتعريتها ليكون الخطاب خطاب مسموم موجه للشباب المتحمسين لعرقهم وقوميتهم لضعف الخطاب الديني والهجمه المستمرة المستعرة عليه
ولذلك نرى علاقة اتحادٍ وانصهارٍ كامل بين منظري الخطاب الإلحادي وبين حركات العصبيات العرقية التي يراد إحياؤها (وهي رميم), إذ يصعب على العوام رصد الجوهر الالحادي للخطاب العرقي, بل بعضهم قد يعتنق الخطاب العرقي رفضا للصورة النمطية للشخصية العربية (أو لسياسات المركز العربي, السعودي والخليجي), فتراهُ يصرّ على رفض العروبة مع التأكيد على إيمانه الإسلامي, والصفحات "الكمتية" و"البربرية" تعجُّ بهؤلاء "التوفيقيين" الذين يسعون إلى صون العقيدة الدينية تحت عنوان عرقي غير عربي (توفيقا بين الإسلام ومناهضة العروبةِ). وهي محاولة قد تأتي بنية غير خبيثة يقع فيها بعض العوام أو المتحمسين للمسألة القومية, وقد تكون أسلوبا تكتيكيا اعتاد عليه منظرو الحركات القومية والعرقية المناهضة للدين جوهرًا, المتسترة به ظاهرًا, كحال التجربة النازية
وهذه التيارات "الكمتية" و"الأمازيغية" وغيرها والتي يتزعمها ملاحدة مجاهرون بالعداء للإسلام, تهدف إلى إحياء القوميات وعقائد وهويات ميتة في محاولة لتأسيس "هوية" قومية عرقية قُطريّة تتقاطع مع الاسلام وتعزز خطاب العداء للعرب ومنها للاسلام
وقد خاضت النازية تجربة مشابهة, إذ فشلت النظرية النازية في احتواء المسيحية بالكامل, فالنصرانية عقيدة مساواتية عالمية لا تعترف بالحدود والفوارق القومية والعرقية, وأما النازية فقد كانت مشروعا إمبرياليا عرقيا يؤكد التفاوت العرقي. وقد سعت النازية إلى تفادي الصدام بالمجتمع المسيــحي الألماني والذي كان يزعج منظريها وقياداتها النخبوية, وقد سجل التاريخ صداما جمع بين النخب المسيــحية الألمانية و"هملر" رأس مشروع إحياء وثنية دينية جرمانية تستبدل المسيحية بالكلية
قاد "هملر" رفقة جماعة من المنقبين عن الاثار والمختصين التاريخيين مشروع إحياء أديان وثنية جرمانية قديمة تكون نواة صلبة للعقيدة النازية وتستبدل المسيــحية واليهودية لدى الأمة الجرمانية. وقد أصل للمسألة منظرون عرقيون كثر من ملهمي النازية ك "شامبرلين" وغيره
وهذا المشروع العرقي القومي القطري يدفع إلى تسريع عملية إحياء الانسياق الى القومية والعرقية المنقطعة عن الذاكرة التاريخية لقرون, بجمع شظايا من الأخلاق والأعراف والأديان المندثرة فـتراهم يبالغون في استعراض كثيف لمقولات ركيكة مقتبضة لشخصيات تاريخية ورمزية (كالفراعنة وأعلام البربر) تبنى عليها أوهام القدرة على التأسيس لنسق شامل له تماسك وفاعلية الشكل الثقافي الإسلامي العربي
والأديولوجيّات العرقيّة والدينيّة القُطريّة هي من وسائل النخب العلمانيّة الراديكالية الحديثة في تفكيك الجسد الإسلاميّ العربيّ, فهي تنزع الدولة القُطريّة عن محيطها الإسلامي والعربي السياسي (كالمسألة الصهيونية والطائفية, بما يخدم تسريع التوافقات السياسية والاقتصادية مع الدولتين الصفوية واليهودية) أولا, ثم تفصلها عن النواة المعرفية الدينية ثانيا, ويُفْسَحُ المجال إلى "أنساقٍ" ووثنيّاتٍ جديدة تزاحم الإسلام وترمي إلى استبدالهِ.
اترك تعليقا: